تحديات الخليج- التكامل الدفاعي والاقتصادي في وجه الأطماع الإقليمية

المؤلف: عبدالرحمن الطريري08.17.2025
تحديات الخليج- التكامل الدفاعي والاقتصادي في وجه الأطماع الإقليمية

ربما يكون التعبير الأكثر التصاقًا بقمة مجلس التعاون الخليجي هو: "الأوضاع الحساسة التي تشهدها المنطقة"، حيث أصبحت التحديات والتهديدات المحيطة بدول الخليج العربية هي السمة الغالبة، بينما كان استقرار المنطقة هو الاستثناء النادر.

إن تاريخ الاعتداءات الصارخة على دول الخليج الثرية، ذات التراث الثقافي العريق، يعود بجذوره إلى سبعينيات القرن الماضي، حينما استولت إيران على الجزر الإماراتية الثلاث، مرورًا بحربها الطويلة التي استمرت ثماني سنوات مع العراق، وصولًا إلى سعيها الحثيث، بالتزامن مع الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، للهيمنة على العراق، عن طريق تفتيت النسيج الوطني العراقي بكل مكوناته العرقية والطائفية.

إن الأطماع والتهديدات المباشرة في دول الخليج تتجسد أيضًا في غزو صدام حسين للكويت، والذي كان بمثابة لحظة فارقة أظهرت التكاتف الخليجي في الوقوف صفًا واحدًا مع الكويت ضد المطامع الخارجية، وبالعودة إلى الأطماع الإيرانية في العقد الحالي، نجد أنها بدأت بصورة أساسية عبر محاولة تقويض نظام الحكم في البحرين، تحت ستار شعارات جذابة تدّعي الحرية والديمقراطية، ولكنها في حقيقة الأمر تتسلل إلى الجامعات لترويع الطلاب، وتهاجم رجال الأمن.

لقد مثلت عملية "عاصفة الحزم" تهديدًا وجوديًا مباشرًا للمملكة العربية السعودية ولدول الخليج، وشكلت نقطة تحول حاسمة في مسار العلاقات الخليجية الخليجية على الصعيد العسكري، حيث وقف الجنود الإماراتيون والسعوديون والبحرينيون والقطريون والكويتيون جنبًا إلى جنب في البر والبحر، وقصفوا بطائراتهم ميليشيات الحوثيين وصالح، الذين سعوا بتمويل وتسليح إيراني إلى الانقلاب على السلطة الشرعية في اليمن، وتحويل اليمن إلى قاعدة انطلاق لمهاجمة الخليج والمملكة العربية السعودية بصورة مباشرة.

ومع مرور الوقت، أدركت دول عربية أخرى أن جهود دول الخليج في إفشال المخططات الإيرانية، ليست مجرد مساعٍ لحماية مصالحها ومستوى التنمية الذي حققته، بل هي عمل يتجاوز ذلك ليشمل حماية الدول العربية الأخرى التي لم تكن بمنأى عن الأطماع الإيرانية، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال الميليشيات الطائفية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ومن خلال المشاريع ذات الطابع الثقافي الظاهري التي تهدف إلى نشر المذهب الشيعي، وتجنيد فنانين ومثقفين ليكونوا بمثابة قوة ناعمة لتجميل صورة إيران في تلك المجتمعات، وهو أمر موجود في معظم دول شمال إفريقيا تقريبًا.

لقد أثبتت دول الخليج أنها تتصدى أيضًا للمخططات التي تستهدف مقدسات المسلمين، والتي أظهر الحوثيون -وكلاء إيران- أنهم لا يتورعون حتى عن قصف قبلة المسلمين في مكة المكرمة بالصواريخ، والتاريخ يشهد أن هذا الاستهداف للمقدسات قديم قدم ثورة الملالي في إيران، من خلال استغلال مواسم الحج المتتالية، ولا يمكننا أن ننسى أن نجاح موسم الحج في العام الماضي كان من الإنجازات المستمرة للمملكة في إدارة الحشود، وأن هذا النجاح قد تزامن مع تعنت إيران في منع حجاجها من الداخل من أداء فريضة الحج.

في هذا اليوم، يتوجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى أربع من دول الخليج في زيارة بالغة الأهمية، تبدأ بدولة الإمارات العربية المتحدة التي كان لها الدور الأبرز في عملية "عاصفة الحزم"، والتي لطالما كانت مواقفها داعمة للمملكة في مواجهة كل التحديات الإقليمية، وتتبعها زيارة لمملكة البحرين التي تستضيف القمة الخليجية المرتقبة، والتي ستكون قمة مفصلية تهدف إلى رسم مستقبل الخليج في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تجسدت في عام عصيب من انخفاض أسعار النفط، وبالتالي تراجع نسب النمو، وصولًا إلى التأثيرات المباشرة على الأمن القومي العربي، بدءًا من الشهية الروسية المتزايدة للتدخل في مناطق مختلفة، مرورًا بالانتخابات الأمريكية الأخيرة التي أسفرت عن فوز دونالد ترمب، وعدم وضوح رؤيته المستقبلية تجاه المنطقة.

وستشمل الزيارة أيضًا دولة الكويت ودولة قطر، ولعل هذه الدول الخمس وسلطنة عمان مدعوة للعمل بشكل مكثف على تحقيق المزيد من التكامل، طالما أن الاتحاد يبدو متعذرًا في ظل الخلافات القائمة، فهناك إمكانات هائلة تمتلكها مختلف دول الخليج، وتستدعي التكامل والتضافر، لا سيما في مجالات الصناعة ونقل المعرفة، والارتقاء بمستوى الصناعات العسكرية، لأن الواقع يؤكد أن دول الخليج يجب أن تعتمد على نفسها في حماية أمنها ومصالحها، وهذا يجب أن يكون الشعار الذي ترفعه دول الخليج في المستقبل، فهو الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة للأجيال القادمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة